🔰اندم من الكسعي🔰
◾ما قصه هذا المثل:
◾يعد هذا المثل واحدًا من الأمثال الشعبية التي تضرب في الندم ، والندم في اللغة هو الأسف ، وأن تقول ندمت على كذا أي أسفت عليه ، وكان الرسول صل الله عليه وسلم يقول الندم توبة ، وأندم على وزن أفعل وهي صيغة مبالغة من ندم .
◾والكسعي هو رجل من الجاهلية يدعى محارب بن قيس من كسعة وهو حي من قيس عجلان ، وقيل هو حي من اليمن أصحابه رماة للقوس ، وللكسعي قصة يضرب بها المثل في الندم .
◻️قصة المثل :
◾يُروى أن الكسعي كان له إبل يرعاه في واد فيه شجر، وبينما هو سائر لفت نظره شجرة راقت له ، وقال في نفسه لأصنعن لنفسي قوسًا من تلك الشجرة ، وظل يتعهدها ويرصدها في كل يوم حتى استوت فقطعها ، وبعد ذلك جففها وصنع منها قوسًا شديدًا ثم دهنه وألحق به وترًا ، وصنع خمس سهام من برايتها .
◾وكان يقول وهو ينحت قوسه :
يَا رَبِّ سَدِّدْنِي لِنَحْتِ قَوْسِي
فَإِنَّهَا مِنْ لَذَّتِي لِنَفْسِي
وَانْفَعْ بِقَوْسِي وَلَدِي وَعِرْسِي
أَنْحَتُهَا صَفْرَا كَلَوْنِ الْوَرْسِ
كَبْدَاءَ لَيْسَتْ كَالقِسِيِّ النُّكْسِ
◾ولما هم ببري الأسهم الخمسة قال :
هُنَّ وَرَبِّي أَسْهُمٌ حِسَانُ
يَلَذُّ لِلرَّامِي بِهَا البَنَانُ
كَأَنَّمَا قَوَّمَهَا مِيزَانُ
فَأَبْشِرُوا بِالْخِصْبِ يَا صِبْيانُ
إِنْ لَمْ يَعُقْنِي الشُّؤْمُ وَالْحِرْمانُ
◾وأراد الكسعي أن يجرب رمحه الجديد فخرج على مكان تسعى به الحمير الوحشية وشدد قوسه ورمى سهامه وهو يقول :
أَعُوذُ بِالْمُهَيْمِنِ الرَّحْمَنِ
مِنْ نَكَدِ الْجَدِّ مَعَ الْحِرْمَانِ
مَا لِي رَأَيْتُ السَّهْمَ فِي الصَّوَّانِ
يُورِي شَرَارَ النَّارِ كَالعِقْيَانِ
أَخْلَفَ ظَنِّي وَرَجَا الصِّبْيَانِ
◾فأصاب سهمه حمارًا وحشيًا ومن قوته امتد إلى الجبل ، فلما رآه ظن أنه لم يصيب بغيته ، فرمى السهم الثاني وهو يقول :
أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْ شَرِّ الْقَدَرْ
لاَ بَارَكَ الرَّحْمَنُ فِي أُمِّ القُتَرْ
أَأُمْغِطُ السَّهْمَ لِإِرْهَاقِ الضَّرَرْ
أَمْ ذَاكَ مِنْ سُوءِ احْتِيالٍ وَنَظَرْ
أَمْ لَيْسَ يُغْنِي حَذَرٌ عِنْدَ قَدَرْ
◾فحدث معه كما حدث في المرة الأولى رمى العير وظنَّ أنَّه لم يُصِبه أيضًا ، فقال :
إِنِّي لِشُؤْمِي وَشَقَائِي وَنَكَدْ
قَدْ شَفَّ مِنِّي مَا أَرَى حَرُّ الْكَبِدْ
أَخْلَفَ مَا أَرْجُو لِأَهْلٍ وَوَلَدْ
◾فشدد قوسه ورَمَى السهم الثالث ، فاخترق عِيرًا منها فأصابَه ، ولكنه أيضًا ظنَّ أنَّه لم يُصِبه في هذه المرَّة أيضًا ، فقال :
مَا بَالُ سَهْمِي تُوقِدُ الْحُبَاحِبَا؟!
قَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَائِبَا
إِذْ أَمْكَنَ الْعِيرَ وَأَبدَى جَانِبَا
فَصَارَ رَأيِي فِيهِ رَأَيًا كَاذِبَا
أَظَلُّ مِنهُ فِي اكتِئَابٍ دَائِبَا
◾وبقي معه أخر سهم ، فلما رماه حدث معه مثل ما حدث في المرات السابقة ، وظنَّ أنَّه لم يُصِبه في هذه المرَّة أيضًا ، فقال :
أَبَعْدَ خَمْسٍ قَدْ حَفِظْتُ عَدَّهَا
أَحْمِلُ قَوْسِي وَأُرِيدُ رَدَّهَا
أَخْزَى إِلَهِي لِينَهَا وَشَدَّهَا
وَاللهِ لاَ تَسْلَمُ عِنْدِي بَعْدَهَا
وَلاَ أُرَجِّي مَا حَيِيتُ رِفْدَهَا
◾ومن فرط ضيقه جاء بالقوس إلى صخرةٍ فضربها حتى كسَرَها ، ثم نام إلى جانبها حتى استيقظ في الصباح ، فمشى إلى حيث كانت سهامه ، فإذا بالحمر الخمسة مسجاة على الأرض في دماءها ، فندم على كسره قوسه أشد الندم لدرجة أنه عَضَّ إبهامه فقطعها ، ثم أنشأ يقول :
نَدِمْتُ نَدَامَةً لَوْ أَنَّ نَفْسِي
تُطَاوِعُنِي إِذًا لَقَطَعْتُ خَمْسِي
تَبَيَّنَ لِي سَفَاهُ الرَّأْيِ مِنِّي
لَعَمْرُ اللهِ حِينَ كَسَرْتُ قَوْسِي
◾وقد استَشهَد بعض الشعراء بهذا المثل في شعرهم ، ومن ذلك قول الفرزدق :
نَدِمْتُ نَدَامَةَ الْكُسَعِيِّ لَمَّا
غَدَتْ مِنِّي مُطَلَّقَةٌ نَوَارُ
وَكَانَتْ جَنَّتِي فَخَرَجْتُ مِنْهَا
كَآدَمَ حِينَ لَجَّ بِهَا الضِّرَارُ
وَكُنْتُ كَفَاقِئٍ عَيْنَيْهِ عَمْدًا
فَأَصْبَحَ مَا يُضِيءُ لَهُ النَّهَارُ.
إرسال تعليق